الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
الثالث: فراقي، قاله قتادة.{أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوحٍ} وهم أول أمة أهلكوا بالعذاب.{أو قوم هودٍ أو قوم صالحٍ وما قوم لوطٍ منكم ببعيدٍ} فيه وجهان:أحدهما: يعني بعد الدار لقربهم منهم، قاله قتادة.الثاني: بعد العهد لقرب الزمان.ويحتمل أن يكون مرادًا به قرب الدار وقرب العهد. وقد أهلك قوم هود بالريح العاصف، وقوم صالح بالرجفة والصيحة، وقوم لوط بالرجم. قوله عز وجل: {قالوا يا شعيبُ ما نفقهُ كثيرًا مما تقول} أي ما نفهم، ومنه سمي عِلم الدين فقهًا لأنه مفهوم، وفيه وجهان:أحدهما: ما نفقه صحة ما تقول من العبث والجزاء.الثاني: أنهم قالوا ذلك إعراضًا عن سماعه واحتقارًا لكلامه.{وإنا لنراك ضعيفًا} فيه سبعة تأويلات:أحدها: ضعيف البصر، قاله سفيان.الثاني: ضعيف البدن، حكاه ابن عيسى.الثالث: أعمى، قاله سعيد بن جبير وقتادة.الرابع: قليل المعرفة وحيدًا، قاله السدي.الخامس: ذليلًا مهينًا، قاله الحسن.السادس: قليل العقل.السابع: قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها.{ولولا رهطك} فيه وجهان:أحدهما: عشيرتك، وهو قول الجمهور.الثاني: لولا شيعتك، حكاه النقاش.{لرجمناك} فيه وجهان: أحدهما: لقتلناك بالرجم.الثاني: لشتمناك بالكلام، ومنه قول الجعدي. {وما أنت علينا بعزيز}فيه وجهان:أحدهما: بكريم.الثاني: بممتنع لولا رهطك. اهـ.
وقرأ الجمهور {يَجرمنكم} بفتح الياء، وقرأ الأعمش وابن وثاب {يُجرمنكم} بضمها، و: {شقاقي} معناه: مشاقتي وعداوتي، و: {أن} مفعولة ب: {يجرمنكم}.وكانت قصة قوم لوط أقرب القصص عهدًا بقصة قوم شعيب، وقد يحتمل أن يريد وما منازل قوم لوط منكم ببعيد، فكأنه قال: وما قوم لوط منكم ببعيد بالمسافة، ويتضمن هذا القول ضرب المثل لهم بقوم لوط.وقرأ الجمهور {مثلُ} بالرفع على أنه فاعل: {يصبكم} وقرأ مجاهد والجحدري وابن أبي إسحاق {مثلَ} بالنصب، وذلك على أحد وجهين: إما أن يكون {مثل} فاعلًا، وفتحة اللام فتحة بناء لما أضيف لغير متمكن، فإن {مثل} قد يجري مجرى الظروف في هذا الباب وإن لمن يكن ظرفًا محضًا.وإما أن يقدر الفاعل محذوفًا يقتضيه المعنى، ويكون {مثلَ} منصوبًا على النعت لمصدر محذوف تقديره: إصابة مثل.وقوله: {واستغفروا} الآية، تقدم القول في مثل هذا من ترتيب هذا الاستغفار قبل التوبة. و: {ودود} معناه: أن أفعاله ولطفه بعباده لما كانت في غاية الإحسان إليهم كانت كفعل من يتودد ويود المصنوع له.وقوله تعالى: {قالوا يا شعيب} الآية، {نفقه} معناه: نفهم وهذا نحو قول قريش: {قلوبنا في أكنة} [فصلت: 5] ومعنى: {ما نفقه ما تقول} أي ما نفقه صحة قولك، وأما فقههم لفظه ومعناه فمتحصل، وروي عن ابن جبير وشريك القاضي في قولهم: {ضعيفًا} أنه كان ضرير البصر أعمى، وحكى الزهراوي: أن حمير تقول للأعمى: ضعيف، كما يقال له: ضرير، وقيل: كان ناحل البدن زمنه.قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف ولا تقوم عليه حجة بضعف بصره أو بدنه؛ والظاهر من قولهم: {ضعيفًا} أنه ضعيف الانتصار والقدرة، وأن رهطه الكفرة كانوا يراعون فيه.والرهط جماعة الرجل، ومنه الراهطاء لأن اليربوع يعتصم به كما يفعل الرجل برهطه. و: {لرجمناك} قيل: معناه بالحجارة- وهو الظاهر وقاله ابن زيد- وقيل معناه: {لرجمناك} بالسب- وبه فسر الطبري. وهذا أيضًا تستعمله العرب. ومنه قوله تعالى: {لأرجمنك واهجرني مليًا} [مريم: 46]، وقولهم: {بعزيز} أي بذي منعة وعزة ومنزلة في نفوسنا. اهـ.
وقال الحسن (البصري): إضراري.وقال قتادة: فِراقي.{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاك قوم لوط.وقيل: وما ديار قوم لوط منكم ببعيد، أي بمكان بعيد، فلذلك وحد البعيد.قال الكسائيّ: أي دورهم في دوركم.قوله تعالى: {وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ} تقدم.{إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} اسمان من أسمائه سبحانه، وقد بيناهما في كتاب الأسنى في شرح الأسماء الحسنى.قال الجوهريّ: وَدِدت الرجل أوده ودًا إذا أحببته، والودود المحب، والوَد والوِد والوُد والمودة المحبة.وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ذكر شعيبًا قال: «ذاك خطيب الأنبياء».قوله تعالى: {قَالُواْ ياشعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ} أي ما نفهم؛ لأنك تحملنا على أمور غائبة من البعث والنشور، وتعظنا بما لا عهد لنا بمثله.وقيل: قالوا ذلك إعراضًا عن سماعه، واحتقارًا لكلامه؛ يقال: فقِه يفقَه إذا فهم فِقْهًا؛ وحكى الكسائي: فَقُه فَقَهًا وفِقْهًا إذا صار فقيهًا.{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} قيل: إنه كان مصابًا ببصره؛ قاله سعيد بن جبير وقتادة.وقيل: كان ضعيف البصر؛ قاله الثوري وحكى عنه النحاس مثل قول سعيد بن جبير وقتادة.قال النحاس: وحكى أهل اللغة أن حِمْيَر تقول للأعمى ضعيفًا؛ أي قد ضعف بذهاب بصره؛ كما يقال له ضرير؛ أي قد ضرّ بذهاب بصره؛ كما يقال له: مكفوف؛ أي قد كف عن النظر بذهاب بصره.قال الحسن: معناه مهين.وقيل: المعنى ضعيف البدن؛ حكاه عليّ بن عيسى.وقال السدي: وحيدًا ليس لك جند وأعوان تقدر بها على مخالفتنا.وقيل: قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها.و{ضعيفًا} نصب على الحال.{وَلَوْلاَ رَهْطُكَ} رفع بالابتداء، ورهط الرجل عشيرته الذي يستند إليهم ويتقوّى بهم؛ ومنه الرّاهِطَاء لجُحر الَيْربُوع؛ لأنه يَتوثّق به ويخبِّئ فيه ولده.ومعنى: {لَرَجَمْنَاكَ} لقتلناك بالرّجم، وكانوا إذا قتلوا إنسانًا رجموه بالحجارة، وكان رهطه من أهل ملتهم.وقيل: معنى «لَرَجَمْنَاكَ» لشتمناك؛ ومنه قول الجعدي: والرجم أيضًا اللعن؛ ومنه الشيطان الرجيم.{وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} أي ما أنت علينا بغالب ولا قاهر ولا ممتنع. اهـ.
|